كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان على قلوب الغزيين, كلمتان تتشاركان الحروف نفسها ولكن ترتيب الحروف جعل الفارق بينهما كالفارق بين المشرق والمغرب إنهما الأمل والألم، فهل يغلب الأمل الألم أم تبقى غزة تتقلب في وعاء الألم.
مشاعر مختلفة يعيشها أهل غزة المغلوبون على أمرهم, يتجرعون الألم الناتج عن الحرب الإسرائيلية وجبروت آلته الحربية المدمرة, ألم فقد الأحبة وانعدام المأوى الآمن, ألم الإحساس بعجزهم عن تقديم أدنى متطلبات الحياة لأطفالهم وذويهم, ألم العجز عن توفير بعض لقيمات من الطعام لأسرهم الذين يتضورون جوعا, ألم العجز عن توفير القليل من المياه لأهل بيتهم المنهكون من شدة العطش, ألم العجز عن توفير مأوى يقيهم حر الصيف ولهيب شمسها الحارقة, ويحميهم من برد الشتاء ورياحها القاسية، ليستشعروا عظم قوله تعالى "الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" فمن يطعم غزة ويبلغها مأمنها بعد أن سلبت الحرب ما جعله الله أساس الحياة الكريمة، وأقرته المواثيق الدولية واجبا على كل الجهات ذات الاختصاص.
نعم تتقلب غزة بين الجوع والقلق؛ بين ألم العجز عن توفير جرعة دواء لجرحاهم ومرضاهم, ألم العجز عن إيجاد صف تعليمي لأطفالهم المتفوقين, ألم العجز وهم يرون المرضى والجرحى يموتون أمام أعينهم لعدم توفير العلاج المناسب أو أي مكان طبي ملائم, ألم العجز عن إيجاد مكان آمن يحتمون فيه هم وأسرهم ومن يحبون.
نعم هذا ليس خيالا فأهل غزة يتنقلون من ألم إلى ألم, فهذا ألم العجز عن توفير بعض الملابس البالية لتستر أجسادهم الهزيلة, وألم الوقوف لساعات طويلة في طوابير للحصول على كمية قليلة من المياه أو طبق من الطعام لا يسمن ولا يغني من جوع, وألم الشعور بضياع شقاء العمر وجهد السنين إنه المنزل, وكذلك خراب ودمار حاضرهم وضبابية مستقبلهم, فما أصعب ألم الإحساس بضياع أعمارهم بلا هدف ولا مقابل ولا أمل ولا أفق.
ورغم هذا الألم يبزغ بصيص أمل يتشبث به الغزي...
يحيا الغزيون على أمل أن ينتهي هذا الكابوس بقسوته وبشاعته ومحطاته المهلكة, يعيشون وكلهم أمل أن يتحرك العالم الحر لإنصاف أهل غزة المطحونون, يتطلعون لإيجاد العدالة في الضمير الإنساني.
أطفال ونساء وشيوخ غزة الذين طحن البؤس واليأس حياتهم يأملون أن ينظر إليهم العالم بعين الرأفة والإنسانية ويحفظ ما تبقى من كرامتهم وإنسانيتهم.
يوميا يستيقظ من تبقى من أطفال وطلاب غزة من نومهم بعد ليل طويل ومرعب من أصوات القذائف والصواريخ والقصف والانفجارات ينهضون وكلهم أمل بأن يعودوا لمقاعد دراستهم في مدارسهم وجامعاتهم.
ما بين الألم والأمل قصة معاناة طويلة لا يفهمها إلا الإنسان الغزي, فالأمل وفقط الأمل هو ما يجعلهم يتشبثون بالحياة, فالغزيون يعيشون على أمل أن ينتهي هذا الألم ليحيوا كما بقية البشر.
من غزة يطلق أهلها المنهكون, المتعبون, العطشى, الجوعى, الحائرون, التائهون والمعذبون في الأرض نداء استغاثة مخاطبين العالم الحر و روح الإنسانية, مخاطبين الضمير الحي وكل من يؤمن بالعدالة, أن يدفعوا عنهم الألم, ويعززوا لديهم الأمل فهل من مجيب؟
--------------------------------
بقلم: د. محمد راضي